ابني مصاب بالتوحد .. حكاية مغربية

 التوحد,مرض التوحد,علاج التوحد,اعراض التوحد,علاج مرض التوحد,التوحد عند الاطفال,اسباب التوحد,ماهو مرض التوحد,علاج التوحد عند الاطفال,طيف التوحد,مرضى التوحد,مريض التوحد,صفات التوحد,مشاكل التوحد,مراحل التوحد,تدريب التوحد,أعراض التوحد,علامات التوحد

"ابني مصاب بالتوحد"كان هذا كل ما سمعته إيمان من صديقتها حنان منذ سنوات، لقد كان يومًا صعبًا بالنسبة لصديقتين معًا، فالابتلاء ثقيلًا،  ومسؤولية المتابعة كبيرة مدى الحياة في بلد لا يكاد يوجد فيه  واحد يعرف معالم الاضطراب أو أي شخصيات عنه، لديه عناية طبية  مستمرة خاصة به..

مرت سنوات على سماعها هذا الخبر، لكن إيمان ما تزال تخنقها الدموع كلما تحدثت عنه..  ذاكرتها تجرها إلى أحد مشاهد الزمن الجميل، عندما سارعت حنان إلى مفاجأة صديقتها إيمان بالقول: "أنا حامل"..  الفرحة والصرخات غطت على أصواتهما، وهما اللتان تشاركتا معا آمال الصداقة وأحلامها وشغبها ومشاكلها، وطعم الحب ثم الزواج بطموحاته وابتساماته، وها هي مرحلة الأمومة دقت الباب للمرة الثانية والفرحة لا تكاد تسع الصديقتين!

ولا أصعب على الأم من ابتسامة مخنوقة، والمسافة بين "أنا حامل وابني مصاب بالتوحد" مسافة شاقة قاسية لا يدرك كنهها إلا من خاض تحدياتها وآلامها.. فالتوحد، ذلك الداء الصامت الذي يصيب الأطفال في غفلة من الجميع، لا يكاد يعرف كثيرون أسباب الإصابة به، أو طرق علاجه الدوائية أو السلوكية.

جمعية التوحديين الأميركية تشرح بأن التوحد عجز معقد يصيب تطور الطفل وتفاعله الاجتماعي مع محيطه، نتيجة اضطراب عصبي يؤثر على الوظيفة الطبيعية للدماغ. ويتحدث الخبراء عن عوامل جينية وبيولوجية ومناعية، وأخرى مرتبطة بالحمل والولادة، إلى جانب عوامل مرتبطة بالدماغ ونسبة ارتفاع النقال العصبي السيروتونين في دم الأطفال التوحديين، كأسباب للإصابة بالتوحد، لكن لا أحد يستطيع الجزم بشيء واضح، والأمر ما يزال رهن الدراسة والبحث.

وداء التوحد يستوجب رعاية صحية خاصة، تبدأ من الطفولة ولا تنتهي بالمراهقة أو الكهولة.. إن أردتم التفاصيل فاسألوا الأسر، اسألوهم كيف يعيش الطفل المصاب وكيف يكبر أمام أعين والديه الذين يسابقان الزمن والصعاب لجعله يعيش بكرامة.. اسألوهم كيف يعيش المتوحد في ظل غياب أدوية فعالة تعالج الداء، اسألوهم كيف يصمدون أمام حاجة الطفل لخطة طويلة الأمد يتناول فيها أدويته المكلفة ماديا، ويدرب فيها على العيش باستقلالية عن والديه. ثم اسألوهم عن الرعاية الطبية والاجتماعية للمصابين بالداء، في المغرب وفي الدول العربية.

الأطباء يتحدثون عن علاج سلوكي مستمر، وعن مدارس متفرغة للتعليم المتخصص، إلى جانب تدريب الأهل على برنامج التأهيل السلوكي في البيت والحياة الخاصة، وهذه بديهيات، لكنها في بلداننا مجرد أحلام تداعب القلوب المتعطشة دون أن تطفي لهيبها، حيث تترك الأسر لمصيرها تحبو وتسقط كي تتعلم.

الجمعيات تعددت في مواجهتها لهذا الداء على الورق فقط، فلا تكاد تسمع بخطة واضحة لدعم الأسر لمواجهة هذا الداء الذي يستمر العمر بأكمله.. بل إن البعض اتخذ من جراحات الناس وآلامهم فرصة لتحقيق المكاسب والامتيازات المادية والمعنوية، ووحدهم أهالي المصابين بالتوحد ـ وهم يعدون بمئات الآلاف ـ يعانون في صمت.

والابتلاء الذي أصاب حنان، دفع صديقتها إيمان حادوش لبدء مرحلة جديدة في التعامل مع هذا الداء، عاد بالخير على الكثير من أهالي المصابين. مرحلة تتميز بالجدية ووضوح الأهداف، وتتمحور حول تأطير الأسر والأهل وجعل المبادرة بيدهم لا بيد غيرهم.. ومن غيرهم أدرى بما يحتاجه الطفل المتوحد وأسرته؟

بدأت إيمان الحكاية بالمشاركة في مبادرة عربية لدعم سيدات العمل الاجتماعي واختيار فائزة بينهن، وتقدمت بمشروع مبادرة "#قلبك أزرق"، واللون الأزرق هو الرمز العالمي لداء التوحد.. ولم تتوقف الفتاة ذات المشاغل الكثيرة عند هذا الحد، فلم تفوت فرصة استضافتها من طرف وسائل الإعلام لتخصيص الحديث عن التوحد ومعاناة المصابين وأسرهم، وتسليط الضوء على ما يحتاجه الجميع لتمكين هذه الفئة من متابعة العلاج التي تستمر طول العمر.

إن انتقال الأسر من قيم التواكل إلى التوكل مسألة حيوية آن أوان تبنيها، فتلك الأسر لطالما تعرضت للابتزاز والمتاجرة بآلامها.
بالنسبة لإيمان، العمل الأهلي المدني هو الحل، فالمجتمع ـ على الرغم من كثرة ما تعانيه من مصاعب ومشاكل ـ لا يتوفر على بنية حزبية مواطِنة تثقف الفئات الشعبية بحقوقها، وترسم لها الطريق لمعالجة أدوائها، وهنا يبرز المجتمع الأهلي كرافعة بإمكانها ملء الفراغ، وأداء الواجب الوطني. ولذلك شروط، منها قيم الجدية والنزاهة، ثم إعطاء زمام المبادرة لأسر المصابين بالتوحد.

إيمان ترى ـ وهي محقة في ذلك ـ أن انتقال الأسر من قيم التواكل إلى التوكل مسألة حيوية آن أوان تبنيها، فتلك الأسر لطالما تعرضت للابتزاز والمتاجرة بآلامها، وفيما استفاد كثيرون من تلك المآسي، ظلت الأسر تعاني في صمت..

لم تستطع إيمان تجنيب نجل صديقتها الإصابة بالداء، لكن بفضل نشاطها وحيويتها أقنعت الكثيرين بأن المجتمع المغربي -والعربي- عموما، بحاجة إلى أناس لديهم الطاقة والدافع للتحرك لتفعيل دور العمل الأهلي المدني، وعدم الاتكالية على الآخر، ورد الجميل للشعب بتبني قضاياه والدفاع عنها أمام السلطات، ووقف مصاصي دماء الأسر عند حدهم.

هي مراحل إذن مختزلة من حياة كاملة بدأت بـ "أنا حامل"، ولم تنته بـ "ابني مصاب بالتوحد"، بل استمرت مع مبادرة #قلبك_أزرق التي أثمرت تنسيقية وطنية لأطفال التوحد بالمغرب ما انفكت تستغل كل الأنشطة والمسابقات الرياضية والفنية والثقافية للتعريف والتوعية بقضيتها الأولى والأخيرة.. أطفال التوحد!
ادعموا الأسر التي تعاني في صمت.. كونوا مثل إيمان..!

https://www.blogger.com/follow-blog.g?blogID=4561514740690242802

google-playkhamsatmostaqltradent