عندما كان جوش توتين يبلغ من العمر ثلاث
سنوات، قام الأطباء بتشخيصه بالتوحد الشديد، ثم اقترح علماء النفس أنه لن يكون
قادرًا على التواصل مع الآخرين عندما يكبر. ومع ذلك، فإن جوش، الذي يبلغ من العمر
الآن 9 سنوات، كان أقل من التوقعات وأصبح صبيًا مدروسًا ومبهجًا وسريع الاستجابة،
ودرس في مدرسة عامة بدلاً من مدرسة للأطفال المصابين بالتوحد. حالة جوش جعلت
المجتمع الطبي يتساءل: هل تمكن من التغلب على حالته والتعافي منها؟
أخيرًا، ذكرت دراسة حديثة أجرتها إحدى
الجامعات الأمريكية المرموقة أن شفاء الأطفال من إضطراب التوحد ليس ممكنًا فحسب، ولكنه
شائع أيضًا. وقالت الدراسة، التي نشرت في مجلة طب الأطفال، إن ما يصل إلى ثلث
الأطفال المصابين بالتوحد في سن مبكرة، اختفت الأعراض عندما يكبرون.
على مدار السنوات الست الماضية، مر جوش
بتغييرات سلوكية إيجابية، والتي لم يحلم والداها حتى بتحقيقها. عندما كان جوش طفلاً
صغيراً، بدا منغمسًا في عالمه ومربوطًا بشكل لا ينفصم.
تقول والدة جوش: "لم يكن لدينا طفل
رضيع لأنه يهرب منه دائمًا". "كان ينام بجانبي.
في أحد الأيام، أصيب جوش بنوبات غضب متتالية،
وكنت حزينًا للغاية.
عندما كان جوش يبلغ من العمر ثلاث سنوات
، رآه زائر صحي في نوبة غضب وأحيله إلى أخصائي مستشفى حيث خضع لاختبارات تشخيصية مرتين
في الأسبوع لمدة ستة أسابيع.
أخيرًا، تلقيت تقريرًا قاتمًا من مختصين
قاموا بتشخيص حالة جوش على أنها اضطراب خطيرة - التوحد، وهو اضطراب عقلي يؤثر على قدرة
الطفل على التواصل والرد على الآخرين.
غالبًا ما يكون الأطفال المصابون بالتوحد
محصورين في أنفسهم، ومغلقين، وغير قادرين على التواصل مع العينين، ويتعرضون للنوم المضطرب
والنوبات الغزيرة والبكاء.
كثير من الأطفال المصابين بالتوحد غير قادرين
على الالتحاق بسياق التعليم والمدارس العامة، وبعضهم يحتاج إلى رعاية ومراقبة في جميع
الأوقات.
طالب
المختصون الذين أشرفوا على معاملة جوش بإرساله إلى مدرسة خاصة لأنهم اعتقدوا أنه لا
يستطيع التعامل مع المدرسة العامة، لكن والدي جوش قرروا عدم إرساله إلى مدرسة خاصة.
الآن،
وضع جوش مختلف تمامًا، وقد أذهل التغيير الإيجابي في ذهنه الجميع من حوله.
تقول
والدته: بات جوش يحب الرياضيات، ويمكنه تشغيل الموسيقى - خاصة لطلاب البيانو من المستوى
الثالث، وأصبح نشطًا وإيجابيًا للغاية مع الناس.
وفقا
لدراسة بحثية للأطفال، فإن تحول جوش ليس فريدًا ولا مفاجئًا. في هذه
الدراسة، استفسر الباحثون عن 1،366 من أولياء أمور الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين
17 عامًا أو أقل والذين تم تشخيص إصابتهم بإضطراب طيف التوحد.
أفاد
453 من هؤلاء الآباء بأن أطفالهم تعافوا من الاضطراب عندما كانوا في السابعة من العمر.
وقال
الدكتور أندرو زيمرمان، الذي قاد الدراسة، إن النتائج قد تعكس حقيقة أن بعض الأطفال
ربما قد تم تشخيصهم خطأ.
ومع
ذلك، أكد زيمر مان، الذي يعمل في مستشفى ماساتشوستس العام للأطفال، أن قلة هؤلاء الأطفال
هي في الواقع قليلة وبالتالي فإن نتائج الدراسة يجب ألا تبرر التشخيص الخاطئ من تلقاء
نفسها.
وقال
زيمرمان "لم يعد مفاجئًا رؤية طفل يبدأ حياته باضطراب التوحد الشديد ، ثم يصبح
أكثر اعتدالًا أو أقل بمرور الوقت".
وأضاف:
كثير من الأطفال، تتحسن حالتهم، وأسباب هذا التحسن لاتزال مجهولة بالنسبة
لنا حتى الآن، لكننا ندرك أن الذهن يتمتع بمقدرة كبيرة على التطور والتكيف .
وترى
الأوساط الطبية أن النتائج التي توصل إليها الدكتور زيمرمان، تؤيدها أبحاث
سابقة تشير إلى تعافي 3 - 25% من الأطفال المصابين بالتوحد . بيد أن جمعية
أبحاث مرض التوحد في المملكة المتحدة، لا تتفق مع هذا الرأي .
وتقول
الدكتورة جورجينا غوميز مديرة البحوث في الجمعية: على الرغم من إمكانية
تحسن سلوك الأطفال عن طريق الدعم المستمر والمكثف، إلا أننا نعتقد أن
التوحد مرض معوق ويدوم طوال العمر، فالطفل الذي أصيب بالتوحد سيعاني منه
عندما يصل لسن الرشد .
بيد أن البروفيسور سايمون بارون كوهين، أستاذ
العلوم النفسية في جامعة كيمبريدج وأحد أبرز خبراء مرض التوحد في
بريطانيا، يتفق مع الرأي القائل بإمكانية حدوث تحسن كبير وملموس للأطفال
المصابين بالتوحد .
ويقول البروفيسور بارون: هذا لا يعني أننا نقول
إن التوحد يتلاشى أو يتم علاجه، فالأشخاص المصابين بالتوحد هم مثل سائر
الناس ولديهم مقدرة على التعلم . وهذه السمة البشرية يمكنها تغيير طبيعة
أدمغتهم - فعندما يتعلم الطفل ينبغي أن تطرأ تغييرات على دماغه . وهذا يحدث لنا جميعاً .
فهل هذا ما حدث لجوش؟
تقول والدة جوش: بعض الناس يقولون إنه نما بعيداً عن مرضه، لكنهم لا يدركون حجم العمل الشاق الذي بذلناه .
وتؤمن والدة جوش بأنه تحسن كثيراً بسبب المجهودات المكثفة التي بذلتها لكي تجعل جوش يتأقلم مع حالته .
وتقول
السيدة رينيثا والدة جوش أنها قرأت في مجلة، أن بعض المصابين بالتوحد
يعانون من عدم تواصل الفصين الأيمن والأيسر من أدمغتهم بنجاعة مثل بقية
الناس غير المصابين بالاضطراب .
وأطلعت رينيثا أيضاً على مقال صحفي
يتحدث عن فائدة العزف على آلة موسيقية، باعتباره من الأنشطة - القليلة -
التي تحفز وتنشط الفصين الأيمن والأيسر من الدماغ معاً وفي الوقت نفسه،
ولذلك قررت تعليم جوش العزف على البيانو عندما كان عمره 4 أعوام فقط .
وتقول
رينيثا إنها بذلت مجهوداً خارقاً لكي تسهم في تخليص جوش من حالة عدم
الإتساق والتوافق الحركي والعضلي - التي يعاني منها بعض مرضى التوحد - وهو
الآن يتابع بنجاح دروساً في رياضة التايكواندو .
وقد درست
البروفيسورة ديبورا فين أستاذة علم النفس في جامعة كونيتيكت، حالة كثير من
الأطفال المصابين بالتوحد ووجدت أن نسبة 10 - 20% منهم يمكن أن تتحسن
حالتهم بصورة كبيرة وملموسة لدرجة أن تشخيصهم قد يتغير من التوحد للشكل أو
الحالة الأقل حدة من هذا الاضطراب وهي متلازمة أسبرغر .
بيد أن أغلبية الأطفال لا تتحسن حالتهم إلا بعد أعوام من الدعم الأسري المكثف . وترى البروفيسورة ديبورا أن الأمر المؤسف هو عدم إمكانية التنبؤ بمَنْ مِن الأطفال ستتحسن حالته .