التوحد الإفتراضي.. من الشعور بعدم الأمان إلى حتميته! |
قد ينجم عن الإصابة
بالتوحد الافتراضي عدة أخطار وسلبيات عديدة منها ما قد يعرض المصاب إلى عدم
الأمان وزيادة احتمالية مهاجمة معلوماته الشخصية واختراق حساباته على مواقع
التواصل الاجتماعي فينتقل من حالة الشعور بعدم الأمان من المجتمع الخارجي
إلى خطر حقيقي يترصده. يسمّى التوحد أيضاً بالذاتوية وهو عبارة عن اضطراب
يؤثر على نشأة الطفل وتطوّره، فيكون لديه ضعف في اللغة ونطق الكلمات، وضعف
في المهارات الاجتماعية والتعامل والتفاعل مع الآخرين، وضعف في السلوك
والتصرف في مواقف معينة. ويشعر أطباء الأطفال بالقلق من أن الأطفال الصغار
الذين يقضون ساعات كثيرة يوميًا على الهواتف والأجهزة اللوحية وحول أجهزة
التلفزيون يمكن أن يصابوا بأعراض تشبه أعراض التوحد، وهو ما أطلق عليه
مصطلح "التوحد الافتراضي".. الأخبار الجيدة أنه غالباً ما تختفي الأعراض
تمامًا عندما يتحول الأطفال إلى اللعب مع أبناء جيلهم من الأطفال،
ويتفاعلون أكثر مع مقدمي الرعاية، وتفادي جميع الشاشات.
حيث كشفت
دراسة حديثة أن كثرة استخدام فيس بوك يمكن أن يؤدي إلى ظهور علامات "التوحد الافتراضي "، إذ وجد علماء النفس في جامعة "صن شاين كوست" في أستراليا أن
المستخدمين، وخاصة الأطفال، الذين يربطون أنفسهم بوسائل الإعلام
الاجتماعية، ويتصفحون بكثرة مواقع مثل تويتر وفيس بوك أظهروا عدم القدرة
على قراءة العواطف الوجهية، كما أنهم فشلوا في تكوين صداقات وحياة اجتماعية
خاصة بهم، وقارن العلماء 200 شخص من الذين نشأوا دون استخدام فيس بوك
بأجيال الشباب الذين لديهم حسابات عبر وسائل الإعلام الاجتماعية كجزء لا
يتجزأ من حياتهم اليومية، ووجدوا أن الجيل الذي نشأ مع فيس بوك فشل في
التعرف على المشاعر الصحيحة التي تظهر على وجه الآخرين.
دمج الأفراد مع العالم الخارجي تدريجيا وبدون أن يشعروا بذلك، ليجدوا أن العالم الخارجي فعلا ممتع وآمن إذا اتبعنا القوانين وتعاملنا مع الأشياء بالطريقة الصحيحة |
يقول "راشيل شارمان"، كبير محاضري علم النفس
في جامعة كاليفورنيا: "لقد وجدنا روابط واضحة جدا بين طول فترة وجود الطفل
على فيس بوك ومهاراته الاجتماعية، ففي فرنسا يتم وصف هذا الأمر بأنه "توحد افتراضي" على يد البروفيسور ديوكاندا، فإذا قررت أن ينشأ طفلك أمام الشاشات فهو سيفقد مع الوقت المهارات
الاجتماعية الأساسية. وبشكل عام زيادة فترات استخدام المواقع الالكترونية
يتناسب طرديا مع فرصة ضياع المعلومات الشخصية او اختراقها، فقبول طلبات
صداقة عشوائية على الفيس بوك مثلا والرغبة في التعرف على اصدقاء جدد وبناء
ثقة فيهم يجعله أولا: في استعداد تام لفتح أي رابط يرسلونه له وذلك غالبا
ما يكون السبب في الوصول للمعلومات الشخصية والتحكم بالجهاز بشكل كامل،
ثانيا: يدفع الشخص لتسريب بعض المعلومات الشخصية دون قصد أحيانا قد يعرضه
للإبتزاز لاحقا، وقد يستخدم المخترق عدة وسائل أخرى منها ما يعتمد على عمر
الشخص، وجل اهتماماته في تلك المرحلة العمرية، فمثلا فئة المراهقين، حيث
عرف علم النفس المراهقة بأنها مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرشد، وأنها
مجموعة من التغيرات في نمو الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي؛
وبالتالي فإنهم ينجذبون إلى ما يلامس اهتماماتهم في الحب أو الحظ أو
المستقبل.
فكثيراً ما تجد اختبارات وإعلانات أو حتى روابط منبثقة
تنتشر بكثرة على جميع المواقع على الإنترنت، وخصوصاً مواقع التواصل
الاجتماعي، والتي بدورها تحاكي هذه الاهتمامات ومنها "ما هو حظك في
الزواج"، "اكتشف وظيفتك المستقبلية" وما إلى ذلك، وقد يكون من الدوافع
الأخرى لذلك هو الملل، الشعور بالرغبة في الهروب من الواقع وملأ الوقت بما
يسلي النفس، ويطلب الاختبار أو التطبيق بعض المعلومات الشخصية من المشترك،
أو كلمة المرور والإيميل للدخول إلى الاختبار؛ مما يمكنه للوصول إلى
حساباته المختلفة، وذلك من خلال إنشاء واجهة تسجيل دخول وهمية مشابهى لتلك
التي في الفيس بوك.
نتيجة لذلك؛ فالذي من الجدير القيام به أولاً
محاولة الحد من هذا النوع من التوحد وبالتالي نساهم في التقليل من فرصة
تعرض الاشخاص للأخطار والجرائم الإلكترونية، وفي سياق هذا الموضوع فقد
أفادت أخصائية علم أمراض النطق واللغة كارول فانهوت قائلة "أولا، نطلب من
الوالدين القطيعة التامة من استخدام الشاشات. وعموماً، يقلق الآباء من هذه
الطريقة خوفاً من غضب وبكاء أطفالهم. ولكن بمجرد اتخاذ الخطوة الأولى، يبدأ
الأطفال في التعود على أنشطة بديلة على غرار، ركوب الدراجات، وأغاني
الأطفال، أو الرسم. كما أن العديد منهم يتخذ بنفسه قرار التخلي نهائيا عن
الشاشات الإلكترونية".
ومن الخطوات التي يجب التركيز عليها في حل هذه المشكلة:
- عدم ترك وقت فراغ وتعبئته بما هو مفيد وبما يصقل شخصية الفرد.
-
قرب الأهل من الأبناء وخلق جو أسري مريح ومناسب؛ مما يلغي حاجة الفرد
للهرب من الواقع ومشاكله، ومحاولة لإيجاد واقع آخر يجد الراحة فيه.
-
دمج الأفراد مع العالم الخارجي تدريجيا وبدون أن يشعروا بذلك، ليجدوا أن
العالم الخارجي فعلا ممتع وآمن إذا اتبعنا القوانين وتعاملنا مع الأشياء
بالطريقة الصحيحة.
- التعزيز والتشجيع على اكتشاف مواهب الفرد ومن ثم
تطويرها والعمل عليها وبالتالي تقليل وقت استخدام الهواتف أو الأجهزة
اللوحية، والتكنولوجيا بشكل عام.
- التوعية بكافة أنواعها، ومنها الإعلامية والتربوية والتعليمية حول الأمن والأمان على الإنترنت.
- محاولة تغيير تفافة المجتمع حول مرض التوحد، وخاصةً التوحد الظاهري -الذي تم ذكره سابقاً- وكيفية التعامل معه.
وبذلك نكون قد حققنا الأمن والأمان، أو على الأقل خففنا أرقام هائلة من
حالات الجرائم الالكترونية المتفشية في مجتمعاتنا، ولنعلم دوما أن أول طريق
لحل المشاكل هو الرجوع إلى أصلها ومعالجة جذورها.