كان التعريف البسيط للتوحّد أو كما يُطلق عليه البعض (الذاتويّة) أنه عبارة
عن اضطراب النمو العصبي الذي يتصف بضعف التواصل الاجتماعي والتواصل اللفظي
وغير اللفظي، ويكمل التعريف أن من الضروري أن يكون التشخيص قبل بلوغ الطفل
الثلاث سنوات... في مدونتي لنحارب التوحد بالحب والعطاء هذه لن أتكلّم عن إضطراب التوحّد بمفهومه العلمي
أو الطبي، فهذا الموضوع له أهله المختصين بذلك، ولكن اسمحوا لي سادتي أن
أستعير كلمة التوحد بمفهومها البسيط المتعلّق في الأذهان بعيداً عن التفسير
العلمي المتعمّقق لهذا الإضطراب.
غايتي فعلياً أن أعكس تلك الذاتويّة
على الحياة التي نعيشها إلكترونياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشتّى
أنواعها، مرادي أن أحاول معكم الوصول لبعض الأسئلة لا الإجابات، فالإجابات
هنا ستكون غير مُنصفة وسأتركها لكم بين طيّات ذاتويّتِكم.
في مرحلة
ما من مراحل تطور الإنترنت تم إطلاق مصطلح (مواقع التواصل الاجتماعي) على
بعض التطبيقات لتكون -برأيهم- مواقع لنتواصل اجتماعياً فيما بيننا، فنغرّد
هنا ونتفنّن في نشر المنشورات هناك.. وكان من الطبيعي أن يتخلّل ذلك
التواصل بعض النقاشات التي قد تطول أو تقصر تبعاً للأطراف المشاركة، ولا
نغفل عرض الأفكار وربما نشر المعرفة في بعض الاحيان. وأكاد أجزم أن الجميع
لديهم أفكارهم الخاصة وتفكيرهم المُنفرد عن الآخرين، اكتسبها البعض من
القراءة والبعض الآخر من التبعية التقليدية وكذلك قد تكون معرفة ضمنية
تسللت بين السطور.
وبطبيعتنا أيضاً فقد تسرّبت الشخصنة لعقولنا، نجعل البعض آله لا تخطئ والبعض الآخر شياطين مَرَدة نستعيذ منها صباح مساء. |
ولكن، هل نتواصل اجتماعياً عبر هذه التطبيقات بشكل فعلي؟ هل تقبلنا
المحيطين بنا لنتعلم ونقيس ونستنتج؟ هل فتحنا أيدينا للأفكار غير
المألوفة؟ انتظر، لا تحاول الإجابة عن أي سؤال منها فمثل هذه الأسئلة
بالرغم من بساطتها إلا أنها قد تضعك في حيرة من أمرك لتسأل نفسك مراراً
وتكراراً، هل من أقابلهم متقبلون وجودي في المقام الأوّل لأتقبل بالتالي
وجودهم؟
تتوالى الأسئلة تلو الأسئلة وعند تلك اللحظة التي نقترب
فيها من الإجابة نكتشف ونتواجه مع سؤال جديد آخر.. جميعنا نعاني من التوحّد
الاجتماعي ونقوم ببناء قشرة قاسية حول عقولنا ونعلن أنه امتلأ ولا نريد
المزيد. المصيبة الأعظم أن يعاني أحد المشاهير من تلك الذاتويّة وبطبيعتنا
البشرية شئنا أم أبينا نرغب دائماً أن نتبع أحدهم، نستقي منه أفكارنا
ونكوّن آراءنا، فنلتف حوله بذاتويته الخاصة لنكوّن سوياً ذاتوية أكبر
وأعظم.
وبطبيعتنا أيضاً فقد تسرّبت الشخصنة لعقولنا، نجعل البعض آله
لا تخطئ والبعض الآخر شياطين مَرَدة نستعيذ منها صباح مساء. نستقي من
الكتب ومن الأقوال ما يملأ أذهاننا ونتفاخر بالثقافة والمعرفة التي
اكتسبناها، وبمجرد أول نقاش قد يكون طريقنا لمعرفة الحقيقة أو ربما لتهذيب
وتشذيب بعض المفاهيم نُصاب بنوبة ذاتويّة حادة، ننغلق على أنفسنا وننادي
بأقوال هذا وذاك من الذاتويّين المشهورين.
وقبل أن انهي هذه الكلمات
أطرح أمامكم سؤالا بسيطا، ألا تلاحظون أن بعض مرضى التوحّد يمتلكون موهبة
غريبة واستثنائية في إحدى المجالات؟ ولكن في باقي المهارات لا حول لهم ولا
قوة؟
ألقاكم مع ذاتويّة أخرى قريبة أعزائي